فقه حقيقة الدنيا
قال الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت: 64].وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [الحديد: 20].
الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، خلق الدنيا والآخرة، وجعل الأولى دار الإيمان والعمل، وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب.
والدنيا المذمومة: هي كل ما أشغل عن طاعة الله ورسوله (.
وقد عرّف الله عزَّ وجلَّ أولياءه بغوائل الدنيا وآفاتها، وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها ليحذروها، ولا يركنوا إليها، ولا يغتروا بزينتها.
وقد خلقها الله في صورة جميلة مليحة، تستميل الناس بجمالها، وتغرهم بزينتها، وتخدعهم بشهواتها، امتحاناً وابتلاء، ليعلم الله من يقدم أوامر الله على شهوات نفسه كما قال سبحانه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف: 7].
والدنيا شحيحة بإقبالها، وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها، وآفاتها على التوالي راشقة، وكل مغرور بها إلى الذل مصيره، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدر، ولا ينفك سرورها عن المنغصات.
سلامتها تُعقب السقم، ونعيمها لا يثمر غالباً إلا الحسرة والندم، فهي خداعةمكَّارة، بينما أصحابها منها في نعيم وسرور، إذ ولت عنهم صاروا كأنهم أضغاث أحلام: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)} [يونس: 24].
فالدنيا عدوة لله .. وعدوة لأولياء الله .. وعدوة لأعداء الله.
أما عداوتها لله فإنها قطعت الطريق على عباد الله، ولذلك لم ينظر الله إليها منذ خلقها، ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء.
وأما عداوتها لأولياء الله سبحانه فإنها تزينت لهم بزينتها، وغرتهم بزهرتها ونضارتها، وملكت قلوبهم بجمالها وشهواتها، حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها.
وأما عداوتها لأعداء الله فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها، وصادتهم بشبكتها حتى وثقوا بها، فاجتنوا منها حسرة تقطع الأكباد، ثم حرمتهم السعادة أبد الآباد، فهم على فراقها يتحسرون، ومن مكايدها يستغيثون: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)} [البقرة: 86].
ومن هوان الدنيا على الله أنه لا يُعصى إلا فيها، ولا يُنال ما عنده إلا بتركها.
وكما يأكل المريض الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يتلذذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها ما دام حب الدنيا في قلبه.
والدنيا المذمومة المأمور باجتنابها هي القاطعة للعبد عن سلوك الصراط المستقيم الموصل إلى الله، وإلى رضاه، وإلى الجنة.
وما في هذه الحياة الدنيا ثلاثة أقسام:
الأول: ما يصحب العبد في الآخرة، وتبقى معه ثمرته بعد الموت، وهو شيئان: العلم .. والعمل.
فالعلم: هو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بشريعته.والعمل: هو امتثال أوامر الله في جميع الأحوال، وعبادة الله وحده لا شريك له.
الثاني: كل ما فيه حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلاً، كالتلذذ بالمعاصي كلها، والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الحاجة.
والتنعم والترفه بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث، والغلمان والجواري، والقصور والدور، ورفيع الثياب ولذائذ الأطعمة ونحوها من ألوان المتاع الذي تحبه النفوس كما قال سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [آل عمران: 14].
فحظ العبد من هذا كله هي الدنيا المذمومة، باستثناء ما يحتاجه من المباح.
الثالث: كل حظ في العاجل معين على أعمال الآخرة كقدر القوت من الطعام، والحاجة من اللباس والسكن، وكل ما لا بدَّ منه؛ ليتأتى للإنسان البقاء والصحة التي يتوصل بها إلى العلم والعمل الصالح.
فهذا ليس من الدنيا، فهو كالقسم الأول؛ لأنه معين على القسم الأول ووسيلة إليه، فمهما تناوله العبد على قصد الاستعانة به على العلم والعمل، لم يكن به متناولاً للدنيا، ولم يصر به من أبناء الدنيا.
وإن كان باعثه الحظ العاجل دون الاستعانة به على العلم والعمل التحق بالقسم الثاني، وصار من جملة الدنيا.
فالأول محمود .. والثاني مذموم .. والثالث حسب نية صاحبه.
وكل شيء في الدنيا يزول، ولا يبقى مع العبد عند الموت إلا أربع صفات: إيمان القلب .. وأنسه بذكر الله .. وحبه لربه .. وعمله الصالح.
الأحد مارس 22, 2015 12:06 pm من طرف نادين
» حالة عشق
الأحد مارس 22, 2015 11:57 am من طرف نادين
» اريد النسيان
الأحد مارس 22, 2015 11:26 am من طرف نادين
» انت الدرة
الأحد مارس 22, 2015 11:03 am من طرف نادين
» يا حزني
السبت مارس 21, 2015 10:08 am من طرف نادين
» يا حزني
السبت مارس 21, 2015 10:06 am من طرف نادين
» بلا عنوان
الأربعاء نوفمبر 19, 2014 3:46 am من طرف نادين
» السلام عليكم
الإثنين نوفمبر 17, 2014 2:42 pm من طرف نادين
» اللوحة السوداء
الإثنين نوفمبر 17, 2014 2:30 pm من طرف نادين